اختراق طال انتظاره: العلاج الجيني الحديث لفقر الدم المنجلي – فهم الإمكانيات والحدود!

25 يناير 2024

في 8 ديسمبر 2023، حصل نوعان من العلاج الجيني لفقر الدم المنجلي على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وتم تصنيف تقنيتي العلاج الجيني هاتين على أنّهما نقطة تحول هائلة في علاج فقر الدم المنجلي.

يحدثنا الدكتور جاري ج. شيلر، أخصائي الأمراض الدموية والسرطان والبروفيسور في كلية دافيد غيفن للطب في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس عن هذين العلاجين، قائلاً “إنّ هذين العلاجين واعدان لعلاج فقر الدم المنجلي، خاصة للبالغين في مرحلة الشباب، ولكنّ هذه العلاجات ليست للجميع بالطبع، كما أنّ تكلفة هذه العلاجات تصل إلى ملايين الدولارات، ومخاطر الآثار الجانبية المحتملة على المدى البعيد لا تزال مجهولة”.

مراكز UCLA Health مع عدد قليل من المراكز الطبية الأخرى السبّاقة في الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ بتوفير تقنية العلاج الجديد لمرض فقر الدم المنجلي، ثورة جديدة في علاج فقر الدم المنجلي، لكنّها للأسف لن تتوفر إلا للقليل من المرضى؛ بسبب تكلفتها المرتفعة التي تتراوح بين 2.5-3 ملايين دولار، مع وجود احتمالية لانخفاض تكلفتها مع الوقت. 

بداية: ما هو فقر الدم المنجلي؟

يُعتبر فقر الدم المنجلي واحدًا من أكثر اضطرابات خلايا الدم الحمراء الوراثية والجينية شيوعًا في الولايات المتحدة، حيث يعيش حوالي 100,000 شخص أمريكي مع هذا المرض. يؤثر المرض بشكل كبير على شكل الهيموجلوبين (البروتين المسؤول عن نقل الأكسجين بين خلايا الجسم) ويزيد من خطر الإصابة بالعدوى، والسكتة الدماغية، وفقدان النظر، والألم الحاد.

عادةً ما يكون الهيموجلوبين مستديراً ومرناً، مما يُسهل حركته في الأوعية الدموية، وفي حال الإصابة بفقر الدم المنجلي يتغير شكله ليصبح بشكل المنجل أو الهلال، فيصبح صلباً ولزجاً، مما يُبطئ تدفق الدم أو يمنعه، ويزيد من فرصة تكوّن تجلطات صغيرة في جميع أنحاء الجسم. إضافة إلى ذلك من السهل أن تتكسر خلايا الدم الحمراء، وتموت مما يُسبب نقصًا فيها وبالتالي فقر الدم.

ما هي مشاكل العلاج المتوفّر لفقر الدم المنجلي؟

حتى الآن، كان الأمل الوحيد لعلاج الأشخاص المصابين بالخلايا المنجلية هو زرع نخاع العظم، لكن معظم المرضى لا يجدون متبرعاً مناسباً.

من خلال زرع نخاع العظام يمكن استبدال الخلايا الجذعية الدموية التي تنتج الهيموجلوبين غير الطبيعي بأخرى سليمة من متبرع، حيث يتم إعطاء المريض العلاج الكيماوي قبل وبعد الزراعة، بهدف القضاء على الخلايا المريضة، وتثبيط جهاز المناعة، وتهيئة الجسم لاستقبال الخلايا الجذعية السليمة من المتبرع.

ومع أنّ هذا العلاج فعّال، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، تتمثل بالآتي:

  1. ندرة المتبرعين المتوافقين توافق كامل، والاضطرار للحصول على متبرع نصف متوافق في كثير من الأحيان.
  2. التكلفة الباهظة؛ إذ يكلف العلاج تقريبًا 250,000 إلى 500,000 دولار، ويتم تغطيته من قبل التأمين للأشخاص الذين يعانون من أعراض شديدة فقط.
  3. زيادة احتمالية تضرر الأعضاء؛ بسبب الجرعات العالية من الكيماوي.
  4. مهاجمة خلايا المتبرع لجسم المصاب بفقر الدم المنجلي؛ بسبب عدم التوافق الكلي بينهما.

تقنيات العلاج الجيني والثورة المحتملة

تقنيتا العلاج الجيني لفقر الدم المنجلي هما: كاسجيفي ولايفجينيا، مخصصتان للمرضى الذين تتجاوز أعمارهم الـ 12 عامًا، ويشكلان نقطة تحول هائلة في علاج فقر الدم المنجلي، إليك أهم المعلومات عن كل منهما:

  1. كاسجيفي (Casgevy)
  2. هو أول علاج جيني يستخدم تقنية كريسبر “CRISPR”؛ وهي تقنية حديثة لديها القدرة على تعديل الجينات. 
  3. يعمل هذا العلاج على تعزيز إنتاج الهيموجلوبين الجنيني (وهو بروتين نقل الأكسجين الرئيسي خلال نمو الجنين في الرحم وحتى الشهور الأولى من عمره، ثم يتوقف الجسم عن إنتاجه عن طريق تعطيل الجين المسؤول عن تصنيعه بعد أشهر من الولادة).
  4.  يعمل علاج كاسجيفي عن طريق إعادة تفعيل الجين المسؤول عن تصنيع الهيموجلوبين الجنيني، هذا النوع من الهيموجلوبين لا يتغير شكله، ولا يُصبح منجليًاً.
  1. لايفجينيا (Lyfgenia)
  2. لا يقوم علاج لايفجينيا بتعديل الجينات؛ إنمّا يضيف جيناً مصنّعاً لخلايا المريض الجذعية.
  3. يتم نقل هذا الجين إلى الخلايا المسؤولة عن إنتاج الهيموجلوبين في نخاع العظم باستخدام فيروس غير ممرض. يتمتع هذا الفيروس بخاصية الاختفاء بعد نقل الجين، مما يعني أنه لا يظل في الجسم بشكل دائم.

وضح دكتور شيلر أنّ UCLA Heath في الفترة الحالية ستوفر علاج لايفجينيا (Lyfgenia) مبدئياً، المصنّع من قِبل شركة Bluebird Bio، وستكون من أوائل المراكز الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية توفيراً له.

كيف يتم العلاج الجيني لفقر الدم المنجلي؟

تُؤخذ خلايا جذعية من نخاع عظم أو دم المريض نفسه، وتُرسل للمختبر ليتم تعديلها جينياً هناك، ثم تُزرع سليمة للمريض.

لكلا العلاجين، يخضع المريض أيضاً لجرعة قليلة من العلاج الكيماوي قبل الزراعة؛ بهدف القضاء على خلايا نخاع العظم القديمة المريضة لتحلّ محلها الخلايا السليمة المُعدلة جينيًاً، وتبدأ بتصنيع خلايا دم حمراء طبيعية وسليمة.

يتميّز العلاج الجيني بأنّه يلغي الحاجة إلى متبرع، ويترتب على ذلك:

  1. تقليل احتمالية المضاعفات التي قد تنشأ نتيجة عدم التوافق الكامل مع المتبرع.
  2. جرعة العلاج الكيماوي قليلة؛ وبالتالي آثار جانبية أقل. 
  3. لا مخاطر من مهاجمة الجهاز المناعي المفرط لخلايا المتبرع؛ مما يقلل من احتمالية تلف الأعضاء المختلفة مثل: الجلد، والجهاز الهضمي، والكبد.

 إذا قرر الشخص أن ينجب أطفالاً بعد هذه العملية، فإنّ الخلايا المعدلة جينياً التي تم زرعها لا تنتقل إلى الأطفال. وهذا يعني أنّ الأطفال الذين يولدون بعد الزرع لا يمتلكون الخلايا المعدلة جينياً التي استخدمت في العلاج، وفقًا لما أوضحه الدكتور شيلر.

كلمة أخيرة

تُعدّ هذه العلاجات خيارًا مُفضلًا للأشخاص في العشرينات أو الثلاثينات من العمر، والذين يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام. وبالنسبة لكبار السن، فإنّ العلاج بالحبوب أو الأدوية الوريدية هو الأكثر تفضيلاً لهم مع إمكانية تجربتهم لهذه العلاجات.

مع هذه التطورات الجديدة، يبقى هناك تحديات وأسئلة تحيط بالعلاجات الجينية. من بينها، كيف سيتم تغطية تكلفة هذه العلاجات من قبل شركات التأمين؟ وما الفاعلية والآثار الجانبية المحتملة على المدى الطويل؟ 

وللتأكد من سلامة العلاج وعدم تُسببه بزيادة فرصة الإصابة باللوكيميا أو أي نوع آخر من السرطان ستقوم منظمة الغذاء والدواء بمتابعة ومراقبة المرضى.

رغم هذه التحديات يُعتبر العلاج الجيني لفقر الدم المنجلي خطوة إيجابية نحو تحسين جودة حياة المرضى. 

جهود العلماء لا تزال تتكاتف!

يبذل العلماء الكثير من الجهود لعلاج فقر الدم المنجلي وتحسين حياة المرضى، على الرغم من التحديات الكبيرة المتعلقة بعلاج هذا المرض الوراثي، إلّا أنّ العلاج يتطور ويتقدم، فقد تمت الموافقة أيضاً على 3 أدوية جديدة تقلل من مضاعفات المرض، ولكن يجب استخدامها مدى الحياة.

وأيضاً لدينا في UCLA Health أطلق الدكتور شيلر في خريف 2022 مركزًا متخصصًا وشاملًا لمرض فقر الدم المنجلي لتقديم رعاية متخصصة وشاملة لهؤلاء المرضى في جميع أنحاء مقاطعة لوس أنجلوس.

25 يناير 2024