العلاقة بين أحماض أوميغا-6 وأوميغا-3 وبين سرطان البروستاتا

16 فبراير 2025

في دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، تبين أن النظام الغذائي منخفض الأوميغا-6 والغني بالأوميغا-3 مع مكملات زيت السمك يمكن أن يبطئ نمو سرطان البروستاتا، حيث وجدت الدراسة أن الرجال الذين اتبعوا هذا النظام الغذائي شهدوا انخفاضًا كبيرًا في تكاثر خلايا السرطان بعد عام واحد من المتابعة، ويعدّ ذلك دليلاً مهمًا على تأثير النظام الغذائي على صحة البروستاتا.

 

قدّمت هذه الدراسة التي أشرف عليها باحثون من مركز جونسون الشامل للسرطان التابع لجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، دليلاً جديداً على أن التعديلات التي تُجرى على النظام الغذائي يمكن أن تساهم في الحدّ من نمو الخلايا السرطانية لدى المرضى الذين يخضعون للعلاج، وقد تعتبر هذه التعديلات الغذائية نهجًا علاجيًا يتضمن مراقبة السرطان بشكل منتظم ومتابعة تأثير هذه التغييرات على تطور العلاج.

 

وقد أظهرت النتائج التي نُشرت في مجلة “علم الأورام السريري” أن اتباع نظام غذائي يتميز باحتوائه على كميات منخفضة من الأوميغا-6 وكميات أكبر من الأوميغا-3 مع مكملات زيت السمك، قد ساهم بشكل ملحوظ في إبطاء معدل تكاثر خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين في يمرون بالمراحل المبكرة من المرض.

 

تغيير بسيط يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا

في هذا السياق، قال الدكتور ويليام آرونسون، أستاذ جراحة المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وأول مؤلف للدراسة: “تعدّ هذه الدراسة خطوة هامّة تتيح الفرصة لفهم كيفية تأثير النظام الغذائي على نتائج علاج سرطان البروستاتا”، وأضاف: “لاحظنا أن كثيرًا من الرجال يُبدون اهتمامًا كبيرًا بتغيير أسلوب حياتهم بهدف المساعدة على التعافي من السرطان ومنع تقدّم المرض، بما في ذلك تغيير النظام الغذائي الخاص بهم، إذ تشير نتائجنا إلى أن أي تغيير في النظام الغذائي مهما كان بسيطًا، يمكن أن يساعد على إبطاء نمو الخلايا السرطانية ويؤخر الحاجة إلى العلاجات الأكثر تعقيدًا.

 

بالنسبة للرجال المصابين بسرطان البروستاتا من النوع منخفض الخطورة، أي الذي يشهد نموًا بطيئًا ومحدودًا، يفضّل كثير منهم اتباع نهج المراقبة والمتابعة الدقيقة بدلًا من الاتجاه فورًا إلى العلاج.

ورغم ذلك، يمكن أن يحتاج حوالي 50% من هؤلاء الرجال إلى الخضوع للعلاج الجراحي أو الإشعاعي خلال خمس سنوات قادمة، ولهذا يسعى المرضى عادةً إلى البحث عن طرق فعالة تساهم في تأجيل الحاجة للعلاج، بما في ذلك إجراء التعديلات الغذائية أو تناول المكملات. لكن في الحقيقة، لم يتم تحديد إرشادات غذائية واضحة حتى الآن في هذا الشأن، وعلى الرغم من أن تجارب سريرية أخرى درست مسألة زيادة تناول الخضروات واتباع أنماط غذائية صحية، إلا أنه لم يتم التوصل إلى تأثير كبير وواضح لهذه التعليمات على إبطاء تقدم السرطان.

 

المزيد من التفاصيل حول الدراسة

كان الهدف من الدراسة التي أجراها الخبراء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس هو محاولة اكتشاف ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن يؤثر على إدارة وعلاج سرطان البروستاتا، حيث تم إجراء تجارب سريرية مستقبلية تُسمى (CAPFISH-3) وشملت وضع 100 مصاب بسرطان البروستاتا منخفض أو متوسط المخاطر تحت المراقبة النشطة والمنتظمة.

 

تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: مجموعة استمرت على نظامها الغذائي المعتاد، وأخرى اتبعت نظامًا غذائيًا منخفض الأوميغا-6 وغنيًا بالأوميغا-3، مع تناول مكملات زيت السمك، وذلك لمدة عام كامل.

خلال مدة الدراسة، تلقى المشاركون استشارات غذائية فردية ومتخصصة من قِبل أخصائي تغذية، إما بشكل شخصي أو عن بُعد، حيث تم توجيههم إلى تناول بدائل صحية منخفضة الدهون للأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون أو السعرات الحرارية.

فمثلاً، تمت توصيتهم بضرورة تقليل تناول الأطعمة الغنية بالأوميغا-6 (مثل الأطعمة المقلية والأطعمة المُعالجة والبسكويت ورقائق الشيبس والمايونيز)، وتوجيههم لاعتماد الخل أو الليمون أو زيت الزيتون كتتبيلة للسلطة، كما تم تقديم المشورة لهم بضرورة تناول الأسماك الغنية بأحماض أوميغا 3 الدهنية مثل سمك السلمون، مع إعطائهم كبسولات زيت السمك للحصول على المزيد من أوميغا-3، وذلك لتحقيق توازن مناسب بين نسبة أحماض أوميغا-6 وأحماض أوميغا-3 في النظام الغذائي.

أما المجموعة الأخرى التي لم تخضع للتدخل الغذائي، لم تتلقَّ أي استشارات غذائية ولم يتم توصيتها بأخذ كبسولات زيت السمك، واستمرت في نظامها الغذائي المعتاد دون تغيير أو إضافات.

 

ملاحظة مدى سرعة تكاثر خلايا السرطان

خلال مدة الدراسة، تابع الباحثون التغيرات في العلامات الحيوية التي تشير إلى مدى سرعة تطور الخلايا السرطانية، والتي تسمى مؤشر (Ki-67)، وهي عبارة عن مؤشر رئيسي لمدى تقدّم السرطان وانتشاره والبقاء على قيد الحياة مع الإصابة. حيث تم أخذ عيّنات من مواضع الخلايا السرطانية مرة في بداية السنة، ومرة أخرى بعد مرور عام كامل، وقد أظهرت النتائج أن مجموعة المشاركين الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا منخفض الأوميغا-6 والغني بالأوميغا-3 مع مكملات زيت السمك، ظهر لديهم انخفاض واضح بنسبة 15% في مؤشر (Ki-67)، بينما أظهرت المجموعة الأخرى زيادة بنسبة 24%.

 

تعليقًا على هذه النتائج، قال الدكتور ويليام آرونسون: “هذا الاختلاف الكبير يشير إلى أن التغييرات الغذائية يمكن أن تساعد على إبطاء تطور السرطان، الأمر الذي قد يؤخر أو حتى يمنع الحاجة إلى العلاجات الأكثر قوة.

في الحقيقة، قد تبدو النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الدراسة إيجابية، لكن الباحثين لم يلاحظوا أي تغييرات في مؤشرات أخرى لنمو السرطان، مثل ما يُعرف بـ “درجة غليسون” أو “Gleason grade”، والتي تُستخدم لتتبع مدى تقدم سرطان البروستاتا، إذ لم تُظهر هذه الدراسة أي فرق في هذه المؤشرات بين المجموعات التي خضعت للاختبار.

 

هل هناك حاجة لإجراء أبحاث أخرى؟

بالتأكيد، على الرغم من أهمية هذه الدراسة والنتائج التي توصّلت إليها، إلا أن الباحثين يرون أن هناك حاجة لإجراء مزيد من الأبحاث في هذا الشأن، من أجل تأكيد الفوائد طويلة المدى لتقليل تناول أحماض أوميغا-6 وزيادة استهلاك أحماض أوميغا-3 في سرطان البروستاتا، أما هذه الدراسة فتعمل نتائجها كداعم أساسي لإجراء تجارب أكبر وأكثر توسعًا في المستقبل لدراسة تأثير التعديلات الغذائية على تقدم السرطان وعلى نتائج العلاج وعلى معدلات التعايش مع المرض والبقاء على قيد الحياة بالنسبة للمصابين الذين يخضعون للعلاج بالمتابعة المنتظمة.

 

الإشراف على الدراسة

تجدر الإشارة إلى أن المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة كانت الدكتورة سوزان هينينغ، أستاذة مساعدة فخرية ومديرة سابقة لمختبر العلامات الحيوية الغذائية في مركز التغذية البشرية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وشملت قائمة الباحثين المشاركين من UCLA: تريستان جروغان، الدكتور بيي ليانغ، باتريشيا جارداك، أمانا ليديل، كلوديا بيريز، الدكتور ديفيد إيلاشوف، الدكتور جوناثان سعيد، والدكتور ليونارد ماركس.

 

وقد تم تمويل الدراسة بشكل جزئي من قبل المعهد الوطني للسرطان، ومركز جونسون الشامل للسرطان بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وهارولد ب. كلاين، بالإضافة إلى صندوق أبحاث صناعة المأكولات البحرية.

 

 

16 فبراير 2025