تقنية “التروية الدافئة” تطيل صلاحية الكبد بعد الحصول عليه من المتبرع.
يضطر الكثير من مرضى فشل الكبد للانتظار طويلاً لحين الحصول على كبد جديد، وفي معظم الأحيان لا تحدث الزراعة حتى الحصول على كبد مناسب من متبرع متوفٍ.
يبقى الكبد صالحاً للزراعة لفترة قصيرة بعد استئصاله من جسم المتبرع، حيث يبدأ العدّ التنازلي لنقله السريع إلى مريض الكبد، مما يؤدي إلى سباق مع الزمن لنقل الكبد من المستشفى الذي تم استئصاله فيه من المُتبرِّع إلى مركز الزراعة.
يتم عادة حفظ الكبد بالتبريد أثناء نقله، ولكن ظهرت تقنيات ثورية جديدة أصبحت تمكننا من نقل الكبد في حالة دافئة ونشطة، مما يسمح بإطالة الوقت المسموح للنقل، وزيادة عدد الأكباد المتاحة للزراعة — من ضمن هذه التقنيات الجديدة “تقنية التروية الدافئة” وهي تقنية نستخدمها في UCLA Health منذ شهر نوفمبر 2022، بعد فترة وجيزة من حصولها على موافقة الغذاء والدواء.
هناك أيضًا طريقة أخرى لزراعة الكبد، وهي التبرع بجزء من الكبد من متبرع حي، لكنها أقل شيوعاً، لأن نسبة أقل من المرضى يتبرعون وهم أحياء، كما أن الشخص المُتبرِّع يجب أن يكون مؤهلًا صحياً للعملية، كما من الضروري أن يكون الكبد متوافقًا مع المريض الذي سيستقبله.
سلبيات النقل بالتبريد
تُنقل الأكباد المُتبرع بها من أشخاص متوفين تقليدياً بالتبريد، والذي يكون بوضع العضو في حافظة مبرّدة عند درجة حرارة 4 درجات مئوية؛ في هذه الحالة القريبة من التجميد يمكن للكبد أن يصمد لمدة 10-12 ساعة خارج الجسم، يجب أن يتم النقل خلالها، وما بعد ذلك سيبدأ نقص التروية والأكسجين بإتلاف خلاياه.
يشرح الدكتور دوغلاس فارمر، رئيس قسم زراعة الكبد والبنكرياس في UCLA Health وأستاذ الجراحة في كلية ديفيد جيفن للطب قائلاً:“خلال مرحلة نقص التروية الباردة، لا يصل أكسجين، ولا دم، ولا تغذية للكبد، كل ما نفعله هو إبطاء النشاط الأيضي إلى الحد الأدنى فقط للحفاظ على الكبد في حالة قابلة للزراعة أثناء التحضير للعملية.”
هذه الطريقة التقليدية في النقل، والمعروفة باسم النقل أو التخزين البارد كانت الوسيلة الأساسية للنقل خلال العقود الماضية من الزمن، ورغم أنها ساعدتنا خلالها على نقل الأعضاء والحفاظ عليها مؤقتاً، إلا أنها كانت محدودة للغاية؛ فلم تكن جميع الأكباد المتبرع بها مناسبة للزراعة، كما أن العضو كان يتلف بسرعة إذا لم يُزرع خلال الإطار الزمني المسموح به.
تقنية التروية الدافئة
على عكس النقل بالتبريد، تحافظ تقنية التروية الدافئة على الكبد في حالة وظيفية نشطة مشابه لوجوده في الجسم، عبر ضخها لدمّ محمل بالأكسجين على درجة حرارة 37 درجة مئوية.
تم ابتكار هذه التقنية في البداية لغايات نقل القلوب المُبرع بها، والتي كانت تصمد لمدة 6-8 ساعات فحسب عند نقلها بالتبريد، ومن ثم تم توسيع استخدامها لتشمل نقل الرئات المُتبرَّع بها، والتي كانت تصمد لمدة 8-12 ساعة عند نقلها بالتبريد.
لعبت UCLA Health دوراً محورياً في التجارب السريرية التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لاختبار فعالية التروية الدافئة في عمليات زراعة القلب والرئة، واستمرت UCLA في استخدام هذه التقنية بعد حصولها على الموافقة الرسمية، كما تواصل مشاركتها في تجارب إضافية تحت إشراف الـFDA.
زيادة عدد الأكباد المتاحة للزراعة
إلى جانب دور تقنية التروية الدافئة في إطالة الفترة التي يظل فيها الكبد المُتبرَّع به صالحًا للزراعة، فإن الحفاظ عليه في حالة دافئة ونشطة قبل الزراعة يوفر فوائد إضافية، والتي من أهمها زيادة عدد الأكباد المتاحة للزراعة، وهذا مهم جداً لأن الطلب على الكبد يفوق بكثير عدد المتبرعين المتوفرين.
معظم الأكباد التي تُستخدم للزراعة كانت تأتي من مرضى متوفين دماغياً، كانوا قد منحوا موافقة مسبقة بالتبرع بالكبد خلال حياتهم (أو وافق أهاليهم على التبرع). يقول الدكتور فارمر موضحاً ” في حالات الأشخاص المتوفين دماغياً تبقى الأعضاء في حالة وظيفية نشطة.
ولكن في الواقع معظم الأشخاص يتوفون بسبب توقف عضلة القلب عن العمل وضخ الدم لأعضاء الجسم تماما، بما في ذلك الأعضاء التي يمكن التبرع بها مثل الكبد.
يقول الدكتور فارمر موضحاً” كانت مسبقاً مضاعفات زراعة كبد من شخص توفى قلبياً أعلى بكثير، فحتى لو كانت رغبة المتوفى التبرع بأعضائه، فإن كبده غالبًا لم يكن يُعتبر صالحاً للزراعة.فتحديداً، الأكباد المأخوذة من وفاة قلبية تحمل مخاطر أعلى كالإصابة فيما يُعرف بـ اعتلال الأقنية الصفراوية الإقفاري، أو تلف في القنوات الصفراوية نتيجة انقطاع التروية الدموية، ويُعد من المضاعفات الخطيرة التي قد تظهر بعد الزراعة لدى المريض المستلم للكبد.
لتفهم مقدار هذه الخطورة يشرح الدكتور فارمر قائلاً “يحدث اعتلال الأقنية الصفراوية الإقفاري لدى أقل من 1% من حالات الكبد المُتبرع به من مرضى متوفين دماغياً، بينما يحدث لدى 30-50% من المتوفين قلبياً”” ولذلك كان يتردد مرضى فشل الكبد كثيراً في قبول الزراعة من مريض متوفٍ قلبياً، لأنهم إن حصلوا على الكبد، وظهرت إصابة القناة الصفراوية لديهم بعد الزراعة، فإن الكبد المزروع سيفشل ويصبحون بحاجة لزراعة أخرى”.
ويضيف الدكتور فارمر معقباً” نتيجة لهذه المخاطر نحن حذرين جداً في اختيار المتوفين بسبب توقف القلب كمصدر للأعضاء، كنا نرفض استخدام هذه الأكباد لأسباب مبررة، لأن المخاطر كانت عالية. لكن في المقابل، كان المرضى ينتظرون لفترات أطول على قوائم الزراعة، وبعضهم يفقد حياته قبل أن تتوفر له فرصة الزراعة.”
” كانت نسبة قليلة جداً فقط من أكباد المرضى متوفين قلبياً صالحة للزراعة، ومع ذلك في هذه الحالات كانت احتمالية حدوث اعتلال الأقنية الصفراوية الإقفاري لدى المرضى الذين يستلمون هذه الأكباد 10%.” وفقاً للدكتور فارمر.
كيف غيرّت تقنية التروية الدافئة المعادلة؟
استخدام تقنية التروية الدافئة قلل نسبة هذه المخاطر إلى 1%، وبذلك أصبحت احتمالية حدوث اعتلال الأقنية الصفراوية الإقفاري لدى المرضى المتوفين بتوقف القلب مماثلة للمتوفين دماغياً.
في عام 2024 استُخدمت تقنية التروية الدافئة في UCLA Health في 59 زراعة، 23 منها كانت من مرضى متوفين بسبب توقف القلب والدورة الدموية، والنسبة المتبقية من مرضى متوفين دماغياً.
متى تُستخدم تقنية التروية الدافئة؟
بما أنّ تقنية التروية الدافئة لا تزال جديدة نسبياً، فإن برنامج زراعة الكبد في UCLA يستخدمها فقط في الحالات التي قد تحدث لديها مخاطر إضافية لو تم استخدام طرق التخزين التقليدية.يشرح ذلك الدكتور فارمر قائلاً: ” نسبة من الأكباد المُتبرع بها تكون بحالة ممتازة حقيقة ويمكن نقلها بأي طريقة من طرق التخزين والنقل التقليدية، وفي هذه الحالات يفضل الفريق استخدام النقل التقليدي بالتبريد.
فعلى سبيل المثال إن كنا قد حصلنا على الكبد من متبرع شاب ليس لديه أي عوامل خطورة، وكانت الزراعة ستُجرى خلال أقل من 12 ساعة، “فلا يوجد داعٍ فعلي لاستخدام جهاز التروية، لأن الكبد في حالة ممتازة وسيتم نقله سريعًا.”
بينما في حالات أخرى يكون الكبد المُتبرّع به للزراعة لديه عوامل خطر، مثل: كبر سن المُتبرِّع، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأمور الصحية المؤثرة في جودة الكبد، وهنا تبرز أهمية وفوائد التروية الدافئة.
في هذه الحالات يستخدم الفريق تقنية التروية الدافئة لإنعاش وتروية الكبد أولا، بهدف تقييم وظيفته قبل الزراعة، فإن كان يعمل بشكل جيد يمكننا المضي قدماً في الزراعة، أما إن كان لا يعمل بالشكل المطلوب يتم التخلص منه، وهذا كلّه يجعل عملية الزراعة أكثر أماناً على المريض المُستلم للكبد، لأنه يتيح لنا فرصة التأكد من كفاءة العضو قبل الزراعة، مما يقلل من هذه المخاطر إلى حد كبير.
يوجد عامل آخر يجب أخذه أيضاً بالحسبان، وهو حالة مريض الكبد نفسه، يشرح الدكتور فارمر ذلك قائلاً ” “بعض المرضى يحتاجون إلى وقت أطول أثناء الجراحة لإزالة الكبد القديم وزراعة الكبد الجديد،” كالمرضى الذين يخضعون لإجراءات جراحية إضافية بجانب زراعة الكبد، كإجراء عملية قلب مثلاً، أو المرضى الذين خضعوا لزراعة كبد سابقة، مما يجعل العملية معقدة وتحتاج لوقت أطول من المعتاد.”في حالات هؤلاء المرضى، تبرز أيضاً أهمية تقنية التروية الدافئة للحفاظ على الكبد خلال هذه الفترة اللازمة.
أنهى الدكتور فارمر حديثه قائلاً:
” تقنية التروية الدافئة تقنية ثورية، ومن المرجح أن استخدامها سيتوسع ويزداد خلال السنوات القادمة”.
“نحن نصل الآن إلى مرحلة نحاول فيها دراسة إمكانية استخدام أكباد من متبرعين يحملون مخاطر أعلى، لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا جعل العضو أكثر أمانًا من خلال وضعه على جهاز التروية.”
فمع جهاز التروية الدافئة، “يمكننا إنعاش الكبد، وتحقيق استقرار في وظيفته الخلوية خارج الجسم، ومن ثم نزرع الكبد وهو بحالة ووظيفة أفضل.”
20 أبريل 2025