تأثير الاعتماد على خرائط GPS على صحة دماغك

22 فبراير 2024

لقد أحدثت تقنية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ثورة في الطريقة التي نتنقل بها في محيطنا، ولكن ما تأثيرها على مهاراتنا المعرفية وصحتنا العقلية وذاكرتنا؟ دعنا نتعمق في تأثير الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على هذه الجوانب المهمّة لوظيفة الدماغ.

خرائط (GPS): بين الإيجابيات والسلبيات

أصبح نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) جزءًا لا يتجزأ من مشاويرنا اليومية، لما يقدّمه من فوائد جمّة، حيث يوفّر إمكانية الوصول الفوري إلى معلومات دقيقة وموثوقة عن الاتجاهات والمواقع، وظروف حركة المرور الحالية، وإغلاقات الطرق، والمخاطر المحتملة على طول الطريق مثل الحوادث والانزلاقات، واقتراحات الطرق البديلة، مما يسمح لك بتخطيط الطريق واتخاذ قرارات حول الطرق التي ستسلكها، حتى أنّه يمكّنك من التنقل في الطرق الجديدة وغير المألوفة بشكل أكثر كفاءة، وهذا يوفر وقتك ويقلل من احتمالية ضياعك في الطريق.

ومع ذلك، فإن التنازل عن التخطيط لرحلاتك بنفسك اعتمادًا على ذاكرتك أو باستخدام الخرائط الورقية المعتادة لصالح نظام GPS قد يكون له تكلفة؛ فالاعتماد المفرط عليه يمكن أن يؤدي إلى تضاؤل المهارات المعرفية المتعلقة بالتوجيه المكاني، وقد يؤدي إلى انخفاض النشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بذلك.

الخوف من تأثير GPS أمرٌ ليس بجديد!

إن المخاوف من أنّ التكنولوجيا الجديدة بأنواعها يمكنها أن تلحق الضرر بالدماغ والصحة العقلية تعود إلى قرون مضت. حيث انتشرت في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد أدى ظهور البث الإذاعي في بداية القرن العشرين، ثم التلفاز بعد فترة وجيزة، إلى مخاوف مماثلة. والآن، الأمر سيّانٌ مع ظهور وانتشار GPS.

المخاوف تجاه GPS تحت مجهر الدراسات

وفقًا للأبحاث الحديثة، عندما نعتمد على نظام GPS فإنّنا نتوقف عن تمرين جزء مهم من الدماغ، يسمّى بالحُصين، المسؤول عن التوجيه المكاني، والذاكرة، واتخاذ القرار، وقد يلعب دورًا في قدرتنا على تخيل المستقبل، مما يُسلّط الضوء على العواقب المحتملة طويلة المدى للاعتماد على GPS فقط.

عمومًا، يلاحظ انخفاض حجم الحصين في مرض الزهايمر وأنواع أخرى من الضعف الإدراكي، بالإضافة إلى حالات مثل الشيخوخة والاكتئاب والإجهاد المزمن، وقد رأى العديد من الباحثين أن تأثير التكنولوجيا -بما فيها GPS والتلفاز- مماثل لذلك، كيف هذا؟

الدراسة الأولى

تشير دراسة أجرتها جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور إلى أنّ المخاوف بشأن كثرة مشاهدة التلفاز قد تكون لها مبرراتها. تتبع الباحثون عادات مشاهدة التلفاز لدى 599 متطوعًا. وبعد 11 عامًا، كان لدى أولئك الذين شاهدوا التلفاز لساعات أكثر انخفاضًا في حجم منطقة من الدماغ مرتبطة بالذاكرة وتحديد المواقع وإدراك الوقت (القشرة المخية الأنفية الداخلية)، وإنّ آلية مشاهدة التلفاز والشاشات مشابه لآلية استخدام وتأثير GPS.

الدراسة الثانية

أظهرت الدراسات أن الأفراد الذين يعتمدون على نظام GPS باستمرار يظهرون انخفاضًا في نشاط الحصين وفي الذاكرة المكانية، مقارنة بأولئك الذين يتنقلون باستخدام الخرائط التقليدية.

سائقو سيارات الأجرة في لندن خير مثال على ذلك؛ للحصول على رخصة القيادة، يحتاج هؤلاء السائقون إلى تقديم امتحان يثبت معرفتهم بجميع طرق المدينة بالتفصيل، دون استخدام نظام GPS، وقد كشفت الأبحاث التي أجراها علماء الأعصاب في إنجلترا أنّ الحُصين الخاص بهم ينمو بشكل أكبر بمرور الوقت حيث يكتسبون معرفة واسعة بشوارع المدينة.

دراسات أخرى

من جانب آخر، وجدت دراسة في مجلة Nature Communications أن الأشخاص الذين يستجيبون للتوجيهات المنطوقة أثناء القيادة لديهم نشاط أقل في الحصين بشكل ملحوظ مقارنة بأولئك الذين يقومون بالاعتماد على أنفسهم وذاكرتهم للتوجيه، فهذا يقلل من فرص التحفيز الذهني والتفاعل مع البيئة. كما لاحظ الباحثون في كندا انخفاضًا ملحوظًا في الذاكرة المكانية لدى مستخدمي نظام GPS.

إذًا، ما الذي يمكنك فعله للحفاظ على صحة دماغك في عصر التكنولوجيا؟

فكر في دمج الأنشطة التي تعزّز معرفتك بالأماكن ومهاراتك في التنقل والاستكشاف، حيث يمكن أن يساعد الانخراط في مهام التنقل اليدوي، مثل قراءة الخرائط، في الحفاظ على الوظيفة الإدراكية ومنع التدهور الإدراكي المرتبط بالاستخدام المفرط لنظام GPS، وربما تعويض الآثار السلبية الناجمة عن ذلك.

ختامًا

في حين أن تقنية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تُوفّر فوائد لا يمكن إنكارها، فمن المهم أن تضع في اعتبارك تأثيرها المحتمل على المهارات المعرفية والصحة العقلية والذاكرة. ومن خلال تحقيق التوازن بين استخدامها والمشاركة في الأنشطة التي تحفز قدراتك المعرفية والذهنية، يمكنك المساعدة على حماية صحة دماغك في عالم يعتمد على التكنولوجيا بشكل متزايد.

22 فبراير 2024