أجرى باحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA Health) دراسة جديدة وجدت أن الجينات قد تلعب دورًا هامًا في تحديد مسار التعافي بعد الإصابة بالسكتة الدماغية، مما يوفّر للأطباء رؤى مفيدة لتطوير علاجات أكثر دقّة وفعالية.
تم نشر هذه النتائج في مجلة “Stroke” في شهر تموز 2024، وكانت جزءًا من دراسة استكشافية تهدف إلى معرفة ما إذا كانت إذا كانت هناك جينات معينة تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، أو مشاكل نفسية أخرى، ومشاكل في الذاكرة والتفكير بعد التعافي من السكتة الدماغية.
الدكتور ستيفن كريمر، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ الأعصاب في UCLA، أوضح أن الأطباء يعتمدون حاليًا على عوامل مثل عمر المريض وصحته العامة للتنبؤ بمسار التعافي، ولكن هذه العوامل ليست كافية لتقديم صورة كاملة عن مستقبل المريض بعد السكتة الدماغية.
وأضاف: “عندما يُصاب شخص بسكتة دماغية، يكون من الصعب التنبؤ بما سيحدث لاحقًا. المرضى يرغبون في معرفة ما ينتظرهم وكيف ستكون حالتهم، وما هي العلاجات المتاحة لهم”.
تحسين فهم الأطباء للتعافي
أشار كريمر إلى أن الأطباء أيضًا يحتاجون إلى طرق أفضل لفهم مسار تعافي المرضى بشكل شامل ومحدد لكل حالة، حتى يتمكنوا من تطوير خطط علاج مخصصة لكل مريض. في السابق، أشارت الدراسات إلى أن الجينات تلعب دورًا في التعافي من السكتة الدماغية، ولكنها لم تركز بما يكفي على النتائج المختلفة لكل مريض.
على سبيل المثال، استخدمت معظم الدراسات مقياسًا عامًا يسمى “رانكين المعدل” لتقييم مستوى الإعاقة العامة، ولكنه لا يأخذ بعين الاعتبار الفروق الدقيقة في نتائج المرضى، وأنّ بعض المرضى قد يتحسنون في جانب معين مثلاً، لكنهم يستمرون بالمعاناة من مشاكل أخرى، مثل حالة مريض تتحسن حركته، لكنه لا يزال يعاني من الاكتئاب، أو مريض يشعر بالقلق رغم تحسن حركة ذراعه.
دراسة متغيرات جينية محددة
لهذا السبب، تعاون الدكتور كريمر مع الدكتورة أليسون هولمان من جامعة كاليفورنيا في إيرفين لتطوير طريقة أكثر دقة لقياس النتائج السلوكية لدى مرضى السكتة الدماغية. قام الباحثون بدراسة مجموعة من الجينات المحتملة في أكثر من 700 مريض في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأجروا تقييمات سلوكية مفصلة لصحتهم الإدراكية، والاكتئاب، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وغيرها من العوامل لمدة عام بعد السكتة الدماغية.
نتائج الدراسة والارتباطات الجينية
وجدت الدراسة أن هناك ارتباطات مهمة بين بعض الجينات وهذه النتائج السلوكية. على سبيل المثال، المتغير الجيني المعروف باسم rs6265 يرتبط بتدهور القدرات الإدراكية بمرور الوقت. هذا الجين مهم؛ لأنه يرتبط بـ”عامل النمو العصبي المستمد من الدماغ (BDNF)” وهو مادة تساعد الدماغ على التعلم.
حوالي 20-30% من الناس لديهم هذا الجين rs6265، مما يجعل أدمغتهم تنتج كمية أقل من هذه المادة الهامة BDNF، بالتالي يكونون أكثر عرضة لفقدان قدرتهم على التفكير بمرور الوقت.
قال كريمر: “يُفرز الدماغ كميات كبيرة من BDNF عندما يتعلم الشخص أشياء جديدة، لكنّ الأشخاص الذين لديهم هذا المتغير الجيني rs6265 كانوا يعانون من تدهور إدراكي أكبر بعد عام من الإصابة”.
تأثير العوامل البيئية على التعبير الجيني
كما أظهرت الدراسة أن العوامل البيئية، مثل الضغوط النفسية، تلعب دورًا في التعبير الجيني لدى مرضى السكتة الدماغية. المرضى الذين يحملون المتغيرات الجينية rs4291 وrs324420 كانوا أكثر عرضة للاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد عام من السكتة الدماغية.
وأضاف كريمر: “كلما زادت الضغوط التي أبلغوا عنها، زاد ارتباط المتغير الجيني بالنتائج السلبية”.
على الجانب الآخر، المتغير الجيني rs4680 كان مرتبط بأعراض اكتئاب و PTSD أقل.
تطبيقات مستقبلية
بينما لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات، أشار كريمر إلى أن هذه الاكتشافات قد تساعد الأطباء والمتخصصين على تطوير علاجات مستهدفة وشخصية للمرضى بناءً على تركيبتهم الجينية من خلال اختبار جيني بسيط، مما قد يساعد على تحسين نتائج التعافي بعد السكتة الدماغية.
وقال: “إذا تم التحقق من هذه الاكتشافات، يمكنك في يوم الإصابة بالسكتة الدماغية أن تخبر المريض بأن لديه خطرًا أعلى للتدهور الإدراكي بعد عام، ومن ثم يمكن توجيه هؤلاء المرضى إلى إعادة التأهيل الإدراكي المكثف أو ربما يتم تطوير دواء يستهدف مستقبلات جينية معينة”.
وأضاف: “الفكرة هي أن نتمكن من تقسيم المرضى إلى مجموعات مختلفة واستخدام هذه المعرفة ليس فقط للتنبؤ بمسار المرض، ولكن أيضًا لتحسين خطة العلاج لكل مريض”.
27 أغسطس 2024