لعب باحثو جامعة UCLA دوراً مفصلياً في تطوير دواء “بالبوكيسليب”، بدءاً من الدراسات المخبرية المبكرة له، ووصولاً للدراسات السريرية التي أثبتت فاعليته.
في منتصف العقد الأول من الألفينات، عندما بدأ فريق من باحثي مركز جونسون الشامل للسرطان التابع لجامعة UCLA بقيادة الدكتور دينيس سلامون والدكتور ريتشارد فين، في دراسة مركّب طورته شركة فايزر يُعرف باسم PD-0332991، لم يتوقع الكثيرون أنّه سيكون علاجاً مهماً وفارقاً.
اليوم، هذا الدواء اسمه “بالبوكيسليب”، والذي يُعرف بالاسم التجاري “ايبرانس “. يُعتبر هذا الدواء نقطة تحول في علاج سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الإستروجين (ER+) والسلبي لمستقبلات HER2، مما ساهم في علاج مئات ألوف المرضى حول العالم.
عمل هذا الفريق البحثي لم يؤدِ فحسب للموافقة على استخدام دواء بالبوكيسليب مع العلاج الهرموني، ولكنه أيضاً فتح الباب لنوع جديد كلياً من الأدوية تعرف باسم “مثبطات CDK4/6”. هذه الفئة الجديدة من الأدوية، والتي تعمل على إبطاء انقسام الخلايا السرطانية، أصبحت المعيار الأساسي لعلاج سرطان الثدي المتقدم الإيجابي لمستقبلات الإستروجين (ER+) والسلبي لمستقبلات HER2، كما أنّها الآن تظهر نتائج واعدة لاستخدامها في حالات السرطان المبكرة، وليس المتقدمة فحسب.
احتفالاً بمرور 10 سنوات منذ موافقة الغذاء والدواء (FDA) على دواء بالبوكيسليب، والذي كان أول دواء يُعتمد من نوع CDK4/6 لعلاج سرطان الثدي، يسترجع كل من الدكتور سلايمون مدير البحوث السريرية والانتقالية بمركز جونسون للسرطان ورئيس قسم أمراض الدم والأورام في كلية الطب ديفيد جيفن بجامعة UCLA، والدكتور فين أستاذ الطب ومدير برنامج الإشارات الخلوية والعلاجات ومدير الوحدة السريرية للأبحاث في نفس المركز بدايات هذا الإنجاز المهم، وتأثيره الكبير، وما الذي ينتظرهم في المستقبل لمحاربة سرطان الثدي.
بداية، كيف يعمل دواء بالبوكيسليب؟
دواء بالبوكيسليب هو دواء يؤخذ عبر الفم، يثبط عمل نوعين من البروتين؛ CDK4 وCDK6، واللذان يعملان على تنظيم انقسام الخلايا.
الخلايا السرطانية انقسامها سريع وخارج عن السيطرة، ويعمل هذا الدواء على إبطاء انقسامها، وعند استخدامه جنباً إلى جنب مع العلاج الهرموني، يعمل الدواءان معاً على تثبيط نمو الأورام.
كيف اكتشف الفريق في البداية أنّ بالبوكيسليب قد يكون دواء واعداً؟
الدكتور سلايمون: كنا نعمل هادفين لإيجاد أدوية دقيقة تستهدف الخلايا السرطانية من خلال منصتنا البحثية، والتي تفحص الأدوية على مجموعة متنوعة من خطوط الخلايا السرطانية.
شركة فايزر كان لديها مثبط CDK4/6 ضمن مجموعة الأدوية البحثية لديها لسنوات، ولكنهم لم يكونوا يوجهون بحثه وتطويره لسرطان الثدي تحديداً. لقد فحصنا عدداً من المركبات التي لديهم، ووجدنا أنّ هذا المركب الدوائي بالتحديد، له تأثير قوي على خلايا سرطان الثدي في منصتنا البحثية.
ولكن الاكتشاف الحقيقي كان في طريقتنا بإجراء الاختبار.
على عكس الطرق التقليدية، التي تقيم فعالية الدواء على مدار يومين فقط، استخدمنا اختباراً مدته الزمنية أطول، وهذا ما صنع الفارق الكبير.
بعض الخلايا السرطانية، وتحديداً ER+/-HER2 تنمو بسرعة أبطأ من الأنواع الأخرى مثل السرطان الثلاثي السلبية أو الإيجابي لـHER2.
الاختبار السريع الذي أجرته فايزر مسبقاً لم يظهر أي تأثير، ولذا تجاهلوا هذا الدواء، ولكن اتضّح أنّ هذا فقط لأنهم لم يفحصوا الدواء لمدة زمنية كافية.
في المقابل اختبارنا الأطول مدة أظهر أن هذا الدواء المثبط لـ CDK4/6 فعال جداً ضد سرطان الثدي من نوع ER+/-HER2، والذي يمثل حوالي 70% من حالات سرطان الثدي حول العالم، ويعمل بشكل تكاملي عند استخدامه إلى جانب العلاج الهرموني.
ماذا كانت الخطوات التالية بعد اكتشاف أن الدواء واعد حقاً؟
الدكتور سلايمون: بمجرد رؤيتنا لنتائجه الواعدة في مختبرنا، طلبنا الإذن من شركة فايزر للسماح لنا ببدء المرحلة الأولى من الدراسات السريرية. جربنا العلاج على 12 من المرضى، 4 منهم أظهروا استجابة ممتازة، أحدهم امرأة تتمتع بصحة وعافية الآن بعد مرور حوالي 15 سنة على أخذها للدواء.
الدكتور فين: بعد هذا النجاح اقترحنا المضيّ إلى المرحلة الثانية من الدراسات السريرية، والتي سميناها (PALOMA-1)، وذلك من خلال شبكة أبحاثنا الانتقالية في علم الأورام (TRIO)، والتي ساعدتنا على تسجيل عدد كافٍ من المرضى بسرعة لتأكيد النتائج.
لقد أجرينا الدراسة على 164 مريضاً، وبشكل مذهل، تضاعف وقت البقاء دون تقدم للمرض من 10 إلى 20 شهراً.
هذا التحسن في مدة عدم تقدم المرض، هو الأكبر في هذا النوع من السرطان (سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الهرمونات) منذ إدخال العلاج الهرموني في السبعينيات.
هذه النتائج المبهرة لا نراها كثيراً في علاجات السرطان، ولذلك منحت إدارة الغذاء والدواء بالبوكيسليب تصنيف “الدواء الثوري”، وفي الثالث من فبراير عام 2015 حصل بالبوكيسليب على الموافقة كخيار علاجي أولي للنساء بعد سن اليأس المصابات بسرطان الثدي المتقدم نوع -ER+/HER2.
هل برزت أي شكوك حول دور بالبوكيسليب في علاج السرطان؟
الدكتور سلايمون: لم تكن هناك أي شكوك حول فعالية الدواء، فنتائج الدراسات كانت واضحة تماماً.
النقاش الحقيقي كان حول متى نستخدمه؟
البعض رأى أن سرطان الثدي المتقدم من نوع -ER+/HER2 يجب أن نعالجه بالعلاج الهرموني فقط في البداية، ومن ثم إن تقدمت الحالة أكثر نستخدم بالبوكيسليب في وقت لاحق.
كانوا يقولون: العلاج الهرموني فعّال ورخيص، فلماذا نستخدم دواءاً جديداً ومكلفاً منذ البداية؟
ولكن، بياناتنا أظهرت أنّ إضافة بالبوكيسليب من بداية العلاج حسّنت النتائج العلاجية، ومع الوقت، أصبحت الأدلة العلمية أقوى لدرجة أنّها غيرت التوصيات العلاجية؛ جاعلة مثبطات CDK4/6 هي الخيار العلاجي الأول لهذا النوع من سرطان الثدي.
الدكتور فين: قبل بالبوكيسليب، كان المرضى يُعالجون بالعلاجات الهرمونية وحدها، ولكن الآن مثبطات CDK4/6 هي أساس العلاج.
اتساق البيانات بين عدة دراسات سريرية كبيرة وعالمية من المرحلة الثالثة – لا تخصّ فقط بالبوكيسليب، إنما تشمل أنواعاً أخرى أيضاً من مثبطات CDK4/6 — أثبتت أنّ هذه الأدوية لها فوائد كبيرة وقيّمة.
ما هو مستقبل مثبطات CDK4/6؟
الدكتور فين: الأبحاث مستمرة لفهم المزيد حول كيف يمكن أن تتمكّن الخلايا السرطانية من التهرب من تأثير مثبطات CDK4/6.
نحن حالياً ندرس استخدام العلاج الهرموني، مع علاجات موجهة إضافية، والجيل الجديد من مثبطات CDK، الأمر الذي قد يساعد على تأخير أو التغلب على مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج.
ما أكثر ما يثير اهتمامك في مستقبل علاج السرطان؟
الدكتور سلايمون: الدرس الأساسي الذي تعلمناه من بالبوكيسليب، والعلاجات الموجهة الأخرى، هو أننا يجب أن نبحث عن العلاج المناسب للمريض المناسب– أي مطابقة الأهداف الجزيئية مع العلاجات الفعالة.
مستقبل علم الأورام يتمحور جلّه حول الأدوية الدقيقة، عن طريق البحث عن نقاط ضعف الخلايا السرطانية، وتطوير أدوية تهاجم نقاط الضعف الخاصة لكل نوع سرطان، دون إلحاق الضرر بخلايا الجسم السليمة.
يستمر مختبرنا في تطبيق هذه المنهجية لمكافحة أنواع أخرى من السرطان، مثل: سرطان البنكرياس والمبايض.
هدفنا هو الاستمرار بالتقدم، واكتشاف نقاط ضعف جديدة للخلايا السرطانية، وتحويلها إلى علاجات حقيقة تنقذ حياة المرضى.
الدكتور فين: كل اكتشاف علمي جديد يكون مبنياً على اكتشافات سابقة، لا أحد توقع بالضرورة نجاح بالبوكيسليب، ولكنّه غير طريقة علاج سرطان الثدي، والشيء ذاته سيحدث مرة أخرى، يُجرى عدد كبير جداً من الأبحاث حالياً، ومن المؤكد أن أحدها سيؤدي إلى إنجاز جديد. مستقبل العلاجات الموجهة مبهر، وأنا متحمس لرؤية ما سيأتي بعد.
19 مايو 2025