ما الذي يجعل بعض الأشخاص يعيشون عمرًا أطول بصحة جيدة؟ قد تلعب العوامل الوراثية دورًا في ذلك، لكن الواقع يشير إلى أن أسلوب الحياة والبيئة المحيطة هما العاملان الأكثر تأثيرًا، وهذا ما اكتشفه الخبراء من خلال دراسة نمط حياة سكان المناطق التي يعيش معظم سكانها عمرًا أطول وصحة أفضل، والتي تسمى (المناطق الزرقاء)، فهل هذا يعني أنه علينا الانتقال للعيش في هذه المناطق؟ بالطبع لا، بل يكفي أن نتعلم تطبيق نصائحهم وأسلوب حياتهم للتمتع بصحة جيدة لفترة أطول.
ما المقصود بالمناطق الزرقاء؟
يشير مصطلح المناطق الزرقاء أو الـ blue zones إلى مناطق معينة حدّدها الخبراء من خلال مواصفات سكانها ودراسة حالتهم الصحية ومعدّل أعمارهم، حيث يتمتعون بأعلى مستوى من الصحية مقارنةً ببقية المناطق في العالم، وقد أطلق هذا المصطلح الباحث (دان بويتنر) أثناء دراسته لمعدّل الأعمار، حيث اكتشف أن لسكّان هذه المناطق مميزات معينة أبرزها:
- لا يعاني كبار السن في هذه المناطق من الأمراض أو المشاكل الصحية الشائعة.
- يتمتع سكان المناطق الزرقاء بالصحة والحيوية والنشاط حتى سن التسعين.
- تشهد هذه المناطق نسبة عالية من المعمّرين الذين يعيشون حتى سن 100 عام أو أكثر.
أما من الناحية الجغرافية، تشمل المناطق الزرقاء المناطق التالية:
- منطقة بارباجيا الواقعة في جزيرة سردينيا الإيطالية.
- جزيرة إيكاريا اليونانية.
- مدينة لوما ليندا في ولاية كاليفورنيا.
- شبه جزيرة نيكويا التابعة لكوستاريكا.
- جزيرة أوكيناوا في اليابان.
8 نصائح لعمر طويل وحياة صحية
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الزرقاء يتصرفون في حياتهم اليومية بطريقة معينة ويتبعون أنماطًا خاصة فيما يتعلق بنظامهم الغذائي وتمارينهم الرياضية وطريقة تفكيرهم ونظرتهم المستقبلية وطريقة تواصلهم مع الآخرين، ومن هذه الأمور يمكن استخلاص بعض الدروس والنصائح للتمتع بعمر طويل وحياة صحية.
أولًا: عدم الإفراط في تناول الطعام
قد لا يحسب سكان المناطق الخضراء السعرات الحرارية في وجباتهم، لكنهم لا يفرطون في تناول الطعام بشكل عام، حيث يتناولون كميات معقولة من الطعام حتى يشعروا بالشبع، أو أحيانًا قبل ذلك، حيث يتوقف بعضهم عن تناول الطعام بمجرد الشعور بالشبع بنسبة 80%.
فيما يتعلق بالوجبات اليومية، يتبع سكان المناطق الزرقاء أنماطًا غذائية متشابهة، فهم يركزون على وجبة الفطور باعتبارها الوجبة الأهم في اليوم، بينما تكون وجبة الغداء أصغر حجمًا، أما وجبة العشاء فهي الأصغر على الإطلاق، وغالبًا ما يتناولونها في وقت مبكر ثم يمتنعون عن الطعام حتى يحين موعد الفطور في اليوم التالي.
ثانيًا: تناول المزيد من الأطعمة النباتية
يتميز سكان المناطق الزرقاء باعتيادهم على تناول الأطعمة النباتية، حيث يتبعون نظامًا غذائيًا قامًا على النباتات التي تشمل الخضروات والفواكه والبقوليات والأعشاب والمكسرات وغيرها، مع تناول كميات محدودة من اللحوم ومنتجات الألبان، كما يحرصون على عدم إضافة السكر إلى طعامهم.
ثالثًا: تحديد الأهداف بوضوح
يتبع سكان المناطق الزرقاء طريقة معينة وواضحة في حياتهم، حيث يضعون لأنفسهم أهدافًا محددة ويعرفون ما يريدون تحقيقه، ويؤدون مهام واضحة، وهذا ما يجعل حياتهم أكثر بساطة وأقل تعقيدًا.
تشير الدراسات إلى أنه عندما يضع الإنسان لنفسه هدفًا واضحًا ومبسّطًا ويعيش من أجله، فإن ذلك يمكن أن يقلل خطر وفاته في وقت مبكر بنسبة 15%، كما تشير دراسة أخرى أن الأشخاص الذين يمتلكون أهدافًا واضحة في حياتهم يتمتعون بصحة جيدة، وتقلّ لديهم احتمالية الإصابة بمشكلات صحية عديدة، وذلك كالتالي:
- تقلّ لديهم احتمالية مواجهة مشاكل في النوم بنسبة 33%.
- تقلّ احتمالية تعرّضهم للخمول والكسل وقلة النشاط الجسدي بنسبة 24%.
- تقلّ نسبة تعرضهم للسمنة أو أن يكون لديهم مؤشر كتلة الجسم غير صحي (BMI) بنسبة 22%.
وهذا يعني أن وجود هدف واضح في الحياة يعزز الصحة العامة ويقلل من مخاطر عدة مشاكل صحية.
رابعًا: الإيمان القوي
غالبًا ما يصف الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الزرقاء أنفسهم بأنهم أشخاص متديّنون ومؤمنون، كما أنهم ينتمون إلى مجتمعات مؤمنة تتشارك القيم نفسها وتفكّر بطريقة متشابهة وتعيش بشكل مترابط اجتماعيًا، مما يوفر فرصًا عديدة للتفاعل الاجتماعي ويعزز الشعور بالانتماء.
في هذا السياق، تشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يحضرون التجمعات الدينية بانتظام -بغض النظر عن ديانتهم- يميلون للعيش فترة أطول تصل إلى 14 سنة مقارنة بغيرهم.
خامسًا: الحرص على الحركة والنشاط البدني
قد لا يقوم سكان هذه المناطق بالتمارين الرياضية المعتادة أو يشتركون بالأنشطة الرياضية أو يذهبون إلى النادي الرياضي، ومع ذلك هم أكثر الفئات حرصًا على الحركة والنشاط البدني، وذلك من خلال أسلوب حياتهم الذي لا يعترف بوسائل الراحة الحديثة، حيث يعتمدون على أنفسهم في تلبية احتياجاتهم الخاصة، إذ يعتنون بالنباتات والمزارع ويخبزون الخبز ويؤدون الأعمال المنزلية، كما يتنقلون بين الأماكن في معظم الأحيان سيرًا على الأقدام.
لذلك، هم في حركة دائمة، ولا يستخدمون التقنيات الحديثة في تأدية المهام بالنيابة عنهم، وهذا يعني أنهم يقومون بأعمال تتطلب الحركة كل 20 دقيقة تقريبًا.
سادسًا: الأولوية للعائلة
يتمتع الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق بانتماء كبيرة للعائلة، حيث تعيش الأسرة في مكان واحد، ويعتني أفراد العائلة ببعضهم البعض، ويقضي الأبناء سنوات الطفولة والمراهقة إلى جانب الأجداد، وهذا ما يجعل الجميع يتمتع بالراحة والترابط الأسري القوي، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على صحتهم.
سابعًا: تقليل التوتر
قد يكون ذلك من أهم الدروس التي نحتاج أن نتعلمها من سكان المناطق الزرقاء، لكونهم يعرفون كيف يتخلصون من الإحساس بالتوتر والقلق بممارسة طقوسهم البسيطة التي تشمل:
- –الصلاة
- –القيلولة
- –التأمل
- –تذكّر الأجداد والأسلاف
- –قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء
تساعد هذه الطقوس على التخلص من مشاعر التوتر مما يحافظ على الصحة ويعزز السلام النفسي.
ثامنًا: البقاء بالقرب من الأشخاص الأصحّاء
بشكل أو بآخر، لا بدّ أن نصدّق مقولة أن الإيجابية والسلوكيات الصحية تعتبر مُعدية! فالأشخاص الذين يعيشون حياة طويلة وصحية، غالبًا ما يحيطون أنفسهم بأشخاص يهتمون بصحتهم ويعيشون بطريقة متوازنة، ويتخذون قرارات صائبة تتعلق بصحتهم وتغذيتهم.
وتأكيدًا على ذلك، تؤكد بعض الأبحاث أن نشاط الدماغ يتغير عندما يعيش الشخص بالقرب من أشخاص آخرين، حيث يمكن أن يؤثر المجتمع المحيط على اختيارات وأفكار وتصرفات الشخص نفسه، ولذلك فإن تكوين صداقات مع أفراد يهتمون بصحتهم قد يساعد على تبني نمط حياة صحي.
ملاحظة أخيرة!
إذا كنت تشعر أنك بحاجة للمساعدة بشأن تقليل التوتر، أو توجيه حول طرق اتباع نظام غذائي صحي، فاحرص على التواصل مع طبيبك المعالج على الفور.
19 فبراير 2025