علاجات السرطان الجديدة تصبح أفضل مع تقدم فهمنا لبيولوجيا الأورام.
العلاجات “الموجهة” أو “المستهدفة تحدث تطوراً ثورياً في علاج سرطان الثدي، وأدت إلى تقدمات كبيرة في جودة حياة المرضى ومعدلات النجاة.
ومنذ أكثر من 20 عاماً وباحثو UCLA Health يعملون في الطليعة لتقديم هذه الإنجازات، مستندين إلى نجاحاتهم السابقة بتطوير علاجات أكثر فاعلية ودقة ضد السرطان وأقل ضرراً على الجسم.
وقد كان دواء هيرسبتين (trastuzumab) من أوائل العلاجات التي أحدثت ثورة في علاج سرطان الثدي، ومن ثم تبعه أدوية أخرى أحدثت نقلات نوعية في العلاج، سنستعرض هذه الأدوية في مقالنا هذا واحداً تلو الآخر.
1- هيرسيبتين: نقطة تحول أولى في علاج سرطان الثدي
UCLA Health في طليعة المؤسسات التي تصنع الفرق في علاج سرطان الثدي، ومن أبرز إنجازاتها دواء هيرسيبتين، الذي أحدث واحدة من أول الثورات في علاج المرض؛ فقد ساهم في إنقاد حياة ما يقدر بنحو 3 ملايين امرأة عالمياً منذ اعتماده عام 1998.
وقد تم تطوير هذا الدواء على يد فريق من العلماء بقيادة د. دينيس سلامون، مدير الأبحاث السريرية والانتقالية في مركز UCLA Health Jonsson الشامل للسرطان ورئيس قسم أمراض الدم والأورام في كلية الطب ديفيد جيفن.
مبدأ عمله: هيرسيبتين من أول العلاجات التي أحدثت ثورة في علاج سرطان الثدي الإيجابي للمستقبل HER2، حيث يستهدف هذا البروتين الذي يوجد بنسبة زائدة في حوالي 25-30% من الحالات.
2- ما تلاه من أدوية أكثر تطوراً
لم يقتصر دور د. دينيس سلامون وفريقه على تطوير هيرسيبتين، بل كانوا أيضًا في طليعة الباحثين الذين ساعدوا في اعتماد أدوية وعلاجات أكثر دقة:
دواء إيبرانس (Palbociclib)
وهو أول مثبط مستهدف لإنزيم CDK 4/6، نال تصنيف”علاج مبتكر” من إدارة الغذاء والدواء (FDA)، وقد حصل على الموافقة الموسعة عام 2017 لعلاج أكثر أنواع سرطان الثدي شيوعاً (هو النوع الإيجابي لمستقبلات الإستروجين (HR+) والسلبي لـ HER2).
دواء إيبرانس والأدوية الأخرى من نفس فئته، أدت لأكبر تطور منذ استخدام العلاج الهرموني لسرطان الثدي في السبعينيات، فقد ضاعفوا عدد النساء اللواتي يعشن لفترة أطول دون عودة المرض، مما جعله نقلة نوعية في علاج سرطان الثدي المتقدم.
استخدام دواء كيسكالي (Ribociclib) مع العلاج الهرموني لحلات سرطان الثدي المبكر
في سبتمبر 2024 أُضيف إنجاز جديد للقائمة، بموافقة الـ FDA على استخدام دواء كيسكالي مع العلاج الهرموني لمرضى سرطان الثدي HR+/HER2- في المراحل المبكرة (الثانية والثالثة) الذين لديهم خطورة عالية لعودة المرض.
هذه الموافقة جعلته معتمداً للاستخدام لفئات أوسع من المرضى بعد أن كان موافقاً عليه فقط لمرضى سرطان الثدي المتقدم المنتشر.
وقد علق د. دينيس سلامون الباحث الرئيسي للتجربة السريرية التي أدت لذلك في بيان صحفي قائلاً: “هذه الموافقة تمثل لحظة فارقة في تحسين رعاية مرضى سرطان الثدي”، وأضاف:
“هذه الموافقة تتيح لنا توسيع نطاق العلاج ليشمل عددًا أكبر من المرضى، مما يجعله خيارًا قويًا، خاصة عند دمجه مع العلاج الهرموني، للمساعدة في تقليل خطر عودة السرطان بشكل أكبر.”
ونتيجة لهذه التقدمات العظيمة التي أحدثتها أبحاثه في مجال السرطان نال د. دينيس سلامون جائزة Szent-Györgyi للتقدم في أبحاث السرطان لعام 2024 من المؤسسة الوطنية لأبحاث السرطان.
3- قفزة نوعية: تراستوزوماب ديروكسيتكان (T-DXd)
د. أديتيا بارديا الذي يشغل أيضًا منصب مدير تكامل الأبحاث الانتقالية وعضو بمركز جونسن الشامل للسرطان التابع لـ UCLA Health ، قام بالتطوير والبناء على تجربة هيرسيبتين والعلاجات المستهدفة الأخرى، فقاد هو وفريقه أبحاثًا كشفت أن دواء تراستوزوماب ديروكسيتكان (T-DXd) يحسن بشكل كبير معدلات النجاة دون تقدم المرض مقارنة بالعلاج الكيميائي التقليدي، خاصة لدى المرضى المصابين بسرطان الثدي المتقدم والذين لديهم خيارات علاج محدودة.
نتائج الدراسة السريرية: T-DXd يتفوق على العلاج الكيميائي
في دراسة شملت 866 مريضًا، حقق المرضى الذين تلقوا T-DXd معدل بقاء دون تطور المرض بلغ 13.2 شهرًا، مقارنة بـ 8.1 أشهر فقط لدى من تلقوا العلاج الكيميائي التقليدي،وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة The New England Journal of Medicine في سبتمبر 2024.
كيف يختلف T-DXd عن هيرسيبتين؟
يعتمد T-DXd على مبدأ هيرسيبتين لكنه أكثر تطورًا، حيث يربط جسمًا مضادًا لـ HER2 بعلاج كيميائي قوي، مما يسمح بتوصيل الدواء إلى الخلايا السرطانية مباشرة دون ضرر كبير بالخلايا السليمة.
على عكس هيرسيبتين، الذي كان يُستخدم مع العلاج الكيميائي بشكل منفصل، فإن T-DXd يجمع بينهما في جرعة واحدة، مما يزيد من فعاليته ويقلل من الآثار الجانبية، كما أوضح د. أديتيا بارديا.
نحو استبدال العلاج الكيميائي ببدائل أقل ضرراً على الجسم
يقول د. أديتيا بارديا:
“تُثبت هذه الدراسة أن العلاجات التي تجمع بين الأجسام المضادة والأدوية الكيميائية يمكنها تحقيق نتائج أفضل مع تقليل الآثار الجانبية، ولهذا السبب نبذل كل جهدنا لنطور المزيد من هذه العلاجات المناعية لنعالج أنواع السرطان الأخرى وليس فقط سرطان الثدي.”
كان دواء T-DXd قد حصل في السابق على موافقة لاستخدامه في مراحل متقدمة لعلاج المرضى المصابين بأورام HER2-low، لكن نتائج هذه الدراسة أظهرت إمكانية استخدامه في وقت مبكر كبديل للعلاج الكيميائي لدى شريحة أوسع من مرضى سرطان الثدي المتقدم، وعلى ضوء ذلك، حصل على موافقة جديدة من FDA، تتيح استخدامه لشريحة أوسع من المرضى.
ومما يبرز أهمية هذا الدواء هو حصوله على تصنيف “علاج مبتكر” من FDA.
4 مارس 2025